صلات وسمات:

وأخیراً.. فنحن نجد صلات وثیقة، وتشابهاً كبیراً فیما بین كثیر من آراء وشعارات «الخوارج»، وشكل ونمط الحیاة عندهم، وآراء وشعارات، ونمط الحیاة لدى بعض الفرق المعدودة فی فرق المسلمین، وأعنی بهم الوهابیین. ونذكر على سبیل المثال ما یلی(1):

1 ـ قال أحمد أمین المصری: «وظلت حیاتهم الاجتماعیة فی معیشتهم، ونظرتهم للحیاة، وحروبهم، ونحو ذلك، حیاة بسیطةً، بدویة لم تتغیر كثیراً بتغیر الزمان؛ فهم یذكروننا بالوهابیین الآن فی بساطتهم، وإن اختلفت تعالیمهم»(2).

____________

2 ـ إن ثمة شبهاً آخر فیما بین الفرقتین وهو اعتبار «الخوارج» بلاد المسلمین دار حرب، وبلادهم دار إیمان تجب الهجرة إلیها.

والوهابیون أیضاً یقولون: «إن الحرمین الشریفین مكة والیمن تكونان بلاد كفر تعبد فیهما الأوثان، وتجب الهجرة منهما.. وإن بلاد نجد بلاد یظهر فیها الإیمان، ویخفى فی غیرها»(1).

3 ـ وهناك فرق آخر: وهو شدتهم على المسلمین، وقتلهم الذریع لهم، بحجة تكفیرهم.

ورفقهم بالكافرین والمشركین، ومودتهم لهم، وإقامتهم العلاقات الحمیمة معهم.

فإن الفرقتین تشتركان فی هذا الأمر بصورة واضحة وصریحة. فلم ینقل عن الوهابیین أنهم حاربوا سوى المسلمین، أو قتلوهم، أو ساموهم الهوان والذل. ولكنهم قتلوا أهل الطائف، وأهل كربلاء، وألفاً من حجاج الیمن، وأربع مئة حاج من الإیرانیین فی ما عرف بمجزرة مكة، قبل سنوات یسیرة، وغزوا بلاد المسلمین المجاورة لهم. إلى غیر ذلك مما تشتمل القائمة الطویلة لحروبهم مع المسلمین.

4 ـ ثم هناك التشابه الكبیر بین الوهابیین و«الخوارج»، فیما نشهده من الانسجام التام بین الحكومات الوهابیة، وبین قوى الاستكبار العالمی، وحمیمیة العلاقات فیما بینهم، وقبول هذا الأمر لدى عامة الناس عندهم. تماماً كما هو الحال بالنسبة لتعامل حكام أولئك ورؤسائهم، ونظرة عامتهم إلى قوى الاستكبار والاستعمار.

____________

5 ـ إن سطحیة هؤلاء وتعاملهم مع حرفیة النصوص، وعدم تعمقهم فی مدلولاتها. وجمودهم على ظواهرها، حتى وقعوا بما یخالف البدیهیات الظاهرة، ومقتضیات الفطرة، والثابت المقطوع به من مسائل الدین وأحكامه أمر مشترك بین الفریقین. حتى لقد أنكر علماء وهابیون المجاز فی الكلام من الأساس، واعتبروه طاغوتاً، فقالوا: «طاغوت المجاز»(1).

6 ـ أضف إلى ذلك ما فی الفریقین من غلظة، وبداوة، وعجرفة وجفاء، وبعد عن الأسالیب الحضاریة، وعدم التحلی بالأخلاق الإسلامیة.

7 ـ هذا إلى جانب شعارات براقة یرفعها هؤلاء وأولئك، تخفی وراءها مطامع دنیویة، وانحرافات أخلاقیة وغیرها.

8 ـ وكما أن الوهابیین هم ضد تأویل القرآن، كذلك «الخوارج»، فإن أكثرهم ضد تأویل القرآن أیضاً(2).

9 ـ وكما أن «الخوارج» كانوا ضد التبرك بآثار الأنبیاء، والاستشفاء بها. كما تقدم عن الذهبی، فإن الوهابیة أیضاً كذلك.

10 ـ وكما أن «الخوارج» یعتبرون كل ما یمت إلى علی بصلة جریمة، وكفراً وخروجاً، ویحاربون كل من ینتسب إلیه من أهل بیته وشیعته، كذلك الوهابیة. بل لیس للوهابیة شغل فی هذا العالم الفسیح، والملیء بأعداء الإسلام، إلا محاربة الشیعة. وهتكهم، وتألیب الناس ضدهم، وشحن النفوس بالحقد علیهم.

____________

11 ـ وكما أن «الخوارج» یرفضون الاجتهاد ـ خصوصاً الأزارقة ـ كذلك الوهابیة.

12 ـ إن «الیهود ترى أن النظر فی الفلسفة كفر، والكلام فی الدین بدعة، وأنه مجلبة لكل شبهة. وأنه لا علم إلا ما كان فی التوراة، وكتب الأنبیاء. وأن الإیمان بالطب، وتصدیق المنجمین من أسباب الزندقة، والخروج إلى الدهریة. والخلاف على الإسلام، وأهل القدوة، حتى إنهم لیبهرجون المشهور بذلك، ویحرمون سالك سبیل أولئك»(1).

و«الخوارج» أیضاً لهم هذا المنحى، ویسلكون هذا السبیل، فلا یحلون النظر فی كتب الفلسفة.

ثم جاء الوهابیون، فمنعوا من ذلك أیضاً. و«قد هاجم ابن تیمیة الفلاسفة المسلمین، وهاجم المأمون أیضاً فی كثیر من كتبه»(2). لأنه قرّب المعتزلة، الذین یهتمون بالفلسفة، ویعتمدون العقل فی أحكامهم.

وقد حكم الوهابیة بوجوب اتلاف كتب المنطق، واستدلوا على وجوب إتلافها بأن كتب المنطق یحصل بسببها خلل فی العقائد(3).

وأذكر قضیة حصلت لی شخصیاً معهم، حیث بذلت محاولة للاجتماع ببعض علمائهم للمناقشة، فاشترط علینا أن لا نتكلم فی المنطق، ولا فی التاریخ فوافقنا.

ولكنه رغم ذلك لم یحضر إلى الموعد المقرر!!.

____________

13 ـ إن «الخوارج» سیماهم التحلیق أو التسبید. وعن النهایة فی حدیث «الخوارج»: التسبید فیهم فاش. وهو الحلق، واستئصال الشعر.

وكذلك الوهابیون، فإن سیماهم التحلیق. ولعلهم هم الذین أخبر عنهم علی (علیه السلام) بقوله: فی آخر الزمان قوم یقرؤون القرآن، لا یجاوز تراقیهم، یمرقون من الدین مروق السهم من الرمیة، سیماهم التحلیق(1).

قال فی خلاصة الكلام: «فی قوله (صلى الله علیه وآله): سیماهم التحلیق تنصیص على هؤلاء الخارجین من المشرق، التابعین لمحمد بن عبد الوهاب؛ لأنهم كانوا یأمرون من اتبعهم أن یحلق رأسه، لا یتركونه یفارق مجلسهم إذا اتبعهم حتى یحلقوا رأسه.

قال: ولم یقع من أحدٍ قط من الفرق التی مضت أن یلتزموا مثل ذلك، فالحدیث صریح فیهم.

قال: وكان السید عبد الرحمن الأهدل، مفتی زبید یقول: لا یحتاج إلى التألیف فی الرد على ابن عبد الوهاب، بل یكفی فی الرد علیه قوله (صلى الله علیه وآله): سیماهم التحلیق، فإنه لم یفعله أحد من المبتدعة.

قال: وكان ابن عبد الوهاب یأمر أیضاً بحلق رؤوس النساء اللاتی یتبعنه، قد دخلت فی دینه امرأة، وجددت إسلامها بزعمه، فأمر بحلق رأسها، فقالت: شعر الرأس للمرأة بمنزلة اللحیة للرجل، فلو أمرت بحلق لحى الرجال، لساغ أن تأمر بحلق رؤوس النساء، فلم یحر جواباً»(2).

14 ـ وعن ابن عباس: لا تكونوا ك«الخوارج» تأولوا آیات القرآن فی

____________

أهل القبلة، وإنما نزلت فی أهل الكتاب والمشركین، فجهلوا علمها، فسفكوا الدماء، وانتهبوا الأموال.

وعن ابن عمر فی وصف «الخوارج»: أنهم انطلقوا إلى آیات نزلت فی الكفار فجعلوها فی المؤمنین، كما رواه البخاری فی صحیحه(1).

وكذلك فعل الوهابیون فی الآیات النازلة فی الكافرین والمشركین، فإنهم طبقوها على المسلمین كقوله تعالى: (إن الذین تدعون من دون الله لن یخلقوا ذباباً). وقوله: (اجعل الآلهة إلهاً واحداً). وغیر ذلك من آیات(2).

15 ـ إن «الخوارج» كانوا یتظاهرون بالعبادة والنسك والزهد، وتلاوة القرآن، واستحلوا قتل علی (علیه السلام). والوهابیون أیضاً یتظاهرون بفرط النسك والتعبد، ولكنهم أیضاً یعتبرون رفع الصوت بتلاوة الأوراد والأذكار شركاً أكبر، یقاتل علیه.

16 ـ ویلاحظ: أن محمد بن عبد الوهاب تمیمی، هو من عشیرة ومعدن ذی الخویصرة التمیمی، وقد كان أكثر «الخوارج» الأولین، وكثیر من زعمائهم الكبار من بنی تمیم.

إن جمود «الخوارج» وجفاءهم كالنار على المنار، وكالشمس فی رابعة النهار، فبینما نجدهم لا یتعرضون لغیر المسلمین بأذى. نجدهم قد حكموا بكفر جمیع المسلمین، ودانوا باستعراضهم بالسیف.

وهم فی حین یتورعون عن أكل تمرة سقطت على الأرض، وعن قتل الخنزیر الشارد، فإنهم یقتلون عبد الله بن خباب والقرآن فی عنقه،

____________

ویبقرون بطن زوجته، ویقتلون أطفال المسلمین، ویسبون نساءهم. وقد تزایدوا فی بعض الوقائع فی امرأة مسلمة جمیلة، وغالوا فی ثمنها. فقام بعضهم وقتلها. على اعتبار أن هذه الكافرة كادت تقع بسببها فتنة بین المسلمین(1).

والوهابیون أیضاً كـ«الخوارج» فی جمودهم، وعدم تعمقهم فی الأمور، فهم بینما یتوقفون فی التلغراف، ویحرمون التدخین، ویعاقبون علیه، فإنهم استحلوا ضرب المسلمین بالمدافع، وكفروهم، وحكموا علیهم بالشرك، ویستحلون دماءهم وأموالهم. لأجل طلبهم الشفاعة من الأنبیاء والأولیاء.

وبعضهم استحل سبی الذریة. وجعلوا دار المسلمین دار حرب، ودارهم دار إیمان تجب الهجرة إلیها، وهذا هو نفس ما فعله «الخوارج» أیضاً(2).

18 ـ وكما أن «الخوارج» یرفعون شعارات براقة كقولهم: لا حكم إلا لله، كذلك الوهابیة فإنهم یرفعون شعار العودة إلى التوحید، والابتعاد عن الشرك، ونبذ البدع..

19 ـ وكما أن شعار «الخوارج» هو كلمة حق یراد بها باطل، وهو أنهم یریدون: أنه لا إمارة لأحد، ولا یجوز التحكیم فی الأمور الدینیة، وفرعوا علیه: أن التحكیم الذی كان بصفین كان معصیة وكفراً.

كذلك الوهابیون: فإنهم رفعوا شعار نبذ البدع، والرجوع إلى التوحید الخالص؛ وهی كلمة حق یراد بها باطل، حیث كفروا من

____________

استشفع بالرسل والأولیاء، وتوسل بهم، ومنعوا من تعظیم من عظمهم الله، ومنعوا من الاستشفاع بمن جعله الله شافعاً مغیثاً، وهو تضلیل وتمویه إذ لا یوجد أحد یقول: إن محمداً (صلى الله علیه وآله) قادر بنفسه وبدون الله سبحانه. وهذا معناه أنه لا یجوز طلب الدعاء من المؤمن.

كما انهم منعوا من تقبیل ضریح النبی (صلى الله علیه وآله)، لأنه خشب أو حدید، مع العلم بأن القرآن لا یمسه إلا المطهرون، مع انه حبر وورق أیضاً..

20 ـ إن «الخوارج» یظهرون الزهد فی الدنیا، ثم ظهر من خلال ممارساتهم وأقوالهم، أنهم طلاب ملك، ودنیا، حتى إنهم لیقاتلون على الثوب یسلب منهم أشد قتال.. إلى غیر ذلك مما قدمناه حینما تحدثنا عن زهد «الخوارج»..

وكذلك الوهابیون.. فإنهم یظهرون ذلك.. ویستحلون سلب مجوهرات الحجرة النبویة. والاستئثار بثروات الأمة.. وتلك هی مظاهر بذخهم الجنونی، وتبذیرهم المرعب وانغماسهم فی الشهوات والمآثم. قد فحّت روائحها، وزكمت الأنوف بریحها النتن.

21 ـ وقد تقدم عن عائشة: أن من سمات «الخوارج»: أن أزرهم إلى أنصاف سوقهم(1).

وهذا تماماً هو حال الوهابیین، فاقرأ واعجب فما عشت أراك الدهر عجباً.

____________

وأخیراً:

فهل سیصبح مصیر الوهابیین هو نفس مصیر «الخوارج».. فیكون آخرهم لصوصاً سلابین؟!

ومن یدری فإن غداً لناظره قریب.